الامام الصادق عليه السلام كما عرفه علماء الغرب

posted in: دروس وعبر | 0

الامام الصادق عليه السلام

كما عرفه علماء الغرب

الخميس 10/3/2011 م

  إعداد: إياد منصور  

     أبو آلاء

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم …

 بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات الكرام ورحمة الله وبركاته.

 يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه .. يا من أسبغ النعماء بفضله .. يا من أعطى الجزيل بكرمه .. يا عدتي في شدتي .. يا صاحبي في وحدتي .. يا غياثي في كربتي .. يا ولي في نعمتي..

 أشكو إليك غربتي وبعد داري وهواني على من ملكته أمري .. إلهي فلا تحلل عليّ غضبك … فإن لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي .. سبحانك غير أن عافيتك أوسع لي … فأسألك يا ربي بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات وكشفت به الظلمات وصلح به أمر الأولين والآخرين … أن لا تميتني على غضبك ولا تنزل بي سخطك … لك العتبى … لك العتبى … حتى ترضى .

 قال تعالى : (ويرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).

 وقال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل الرحمن لهم ودّا)

في مقدمة الذين رفعهم الله سبحانه وتعالى الدرجات وجعل لهم ودّا ما دامت السماوات والأرض هم :

 أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام وهو الذي يصلي عليهم وملائكته .. وفرض علينا أمراً ابتدأه بنفسه وملائكته بقوله تعالى :

(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)

اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم صلاة تشفع لنا يوم القيامة ..

القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام هما معجزتا النبي صلى الله عليه وآله ووديعتاه اللتان استودعنا فيهما والقرآن الكريم قد أثبت إعجازه بنفسه فأقام البرهان للعرب على أن الأدب المنثور قد ارتقى إلى قمة الأدب المنظوم أي الشعر وإن في تركيبة الفرد العربي قول الشعر فحاول العرب تحدي لغة القرآن ولكنهم أخفقوا في مساعيهم فأصبحت لغة القرآن الكريم إعجازاً في البلاغة ونموذجاً رفيعاً في الفصاحة يُستشهد بآياته وتُستخرج منه الحكمة والأمثال في السياق الأدبي والديني والعلمي في آن واحد.

ويعد القرآن الكريم أصلاً من أصول اللغة العربية بأسلوبه النثري الرائع ولا غنى لأديب أو كاتب عنه لأنه أروع آيات البيان وقد عجز العرب عن الإيتان بمثله أو بسورة من مثله أو محاكاته.

وقد كانت بلاغة الإمام علي (ع) وحفيده الإمام علي بن الحسين عليهما السلام من طراز فريد فترك الإمام (ع) مجموعة خطب سجل ما سجل منها في نهج البلاغة في الموعظة والحكمة والسياسة والأدب وترك الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (الصحيفة السجادية) من أروع النماذج في الدعاء والابتهال إلى الله ومناجاة الحبيب مما يردده كل عارف بالله وزاهد حقيقي.

ثم جاء الإمام الصادق (ع) بمدرسته العظيمة التي فتح فيها آفاقاً جديدة من العلوم لم يألفها الناس في زمانه إضافةً إلى أنه شجع الناس على الكتابة في التأليف والتصنيف فاستهلّ بذلك عهداً جديداً مشرقاً بالعلوم.

ليـــس اليتيم الذي قد مات والداه           إن اليتيـــم يتيم العلم والأدب

تميزت مدرسة الإمام الصادق (ع) في عصره بحرية الرأي والبحث فكان ذلك من أهم أسباب انتشار المعارف وذيوعها … وكان النصف الأول من القرن الثاني الهجري أشبه بـ(فصل الربيع) للتأليف والكتابة ولكن للأسف لم يصلنا من كتب هذا العصر إلا القليل وقد عرفنا أخبار هذه الكتب من كتاب نفيس اسمه (الفهرست) وضعه الوراق ابن النديم.

التف حول الإمام الصادق (ع) آلاف من العلماء والطلبة برغم انعدام المنفعة المادية إلا إخلاص مستقر في النفوس وإيمان عميق متوقد في القلوب وانجذاب لشخصية الإمام (ع) وإعجابٍ بدروسه التي يلقيها ببيانه العذب ويستهدف بها الحقائق وجوهر المعرفة.

وكان طلاب الإمام الصادق (ع) لم يداعيهم الأمل في الحصول على وظائف أو نفوذاً سياسياً … بل كانوا يملؤون مجلسه للاغتراف من علمه الغزير في مدرسته التي أباح فيها حرية الرأي والبحث في جميع الموضوعات ولم يكن فيها حرجاً من أن ينتقد الطالب آراء أستاذه.

الإمام الصادق (ع) كان يؤمن بما يقول ويأخذ بالواقع لا بالمثاليات وكانت آرائه تتفق مع واقع الحياة في المجتمع البشري.

نحن فهمنا الإمامة على أنها للشفاعة فقط .. والغرب فهم الإمامة على أنها العلم … فالإمام لكي يكون إماماً لا بد له أن يكون عالماً وعلمه لا بد أن يكون متميزاً … فهم أخذوا البعد العلمي والمعرفي من الإمامة أي العلم ونحن عبرنا عن إيماننا بالإمامة بطرق شتى نحتفل بولادة الإمام ونحزن لاستشهاده ونترك ما بينهما أو ما بين الولادة والاستشهاد من الفضل العظيم.

كان شعار مدرسة الإمام الصادق (ع) حرية الرأي والفكر وقد دونت العلوم في عصره وكان ينهى عن المغالاة في العقيدة وعن الخلاف والعزلة ..

هذه الدعائم الأربعة المهمة هي التي قامت عليها مدرسة الإمام الصادق (ع).

وكانت معارف الإمام الصادق واسعة جداً في الفقه والطب والكيمياء وعلوم الهيئة والنجوم وعلوم الفيزياء والفلسفة والجغرافيا والتاريخ … وله حقائق كثيرة في الفكر والدين والحضارة والحكمة والفلسفة والطبيعة وغيرها كثير سبق فيها علماء الغرب المعاصرين.

وتتلمذ على يد الإمام الصادق (ع) أبو حنيفة (150 هـ) وعلى يد أبو حنيفة تتلمذ مالك (179هـ) وعلى مالك تتلمذ الشافعي (204هـ) وعلى يد الشافعي تتلمذ أحمد بن حنبل (241هـ) .. وبذلك يكون الإمام الصادق عليه السلام إمام الفقهاء واستاذهم بلا استثناء.

وقال مالك بن أنس:

(ما رأت عينٌ ولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من

جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً ورعاً).  ج 4 – ص 238 / المناقب

وفي عصرنا هذا برزت نخبة نزيهة ومهمة من العلماء والمستشرقين وأساتذة الجامعات الأوروبية والأمريكية وعدد من العلماء المتخصصين من جامعات الدول الاسلامية .. ببحوث أكاديمية رائعة حول الإمام الصادق (ع) بعنوان : (الامام الصادق كما عرفه علماء الغرب).

تميزت بها جماعة ستراسبوغ الفرنسية / مركز الدراسات العليا .. عدّت من أعمق البحوث العلمية الجامعية.

يعتبر الإمام الصادق (ع) أول من نظر في الروايات والتاريخ فكان بذلك قدوة وإماماً ومرشداً لكثير من المؤرخين الذين آلوا على أنفسهم ألا يسجلوا إلا الرواية الثابتة وما يقبله العقل وأن يهملوا الأساطير وما آل إليها.

وقال عليه السلام:

(أعرضوا حديثنا على القرآن. فإن وافق القرآن فخذوا به وإن خالف القرآن فأضربوا به عرض الحائط).

ويقول ابن أبي الحديد شارح كتاب نهج البلاغة عن الإمام جعفر الصادق (ع) : أنه أول ناقد للتاريخ وأول من وضع هذا الاسم لهذا العلم.

وكان من رأي الإمام الصادق (ع) أن اختلاط التاريخ بالخرافة والأسطورة يُفقده أثره من حيث استمداد العبر واستخلاص الموعظة والدرس لاجتناب أخطاء السلف .. وها نحن في يومنا المعاصر تقرأ التاريخ للاستفادة منه بدروسه وعبره واجتناب الأخطاء التي تورط فيها السابقون.

وخلاصة القول : إليه يعزى الفضل في وضع أساس المنهج النقدي في التاريخ الاسلامي بدعوته العلمية الى نقد التاريخ وتخليصه من الأساطير والأباطيل.

وقد حث الإمام الصادق (ع) أصحابه على المعرفة والتفقه في الدين وله حديث مشهور :

(ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين)

وقال (ع):

(بعضكم أكثر صلاة من بعض وبعضكم أكثر حجاً من بعض وبعضكم أكثر صدقةً من بعض وبعضكم أكثر صياماً من بعض وأفضلكم أفضل معرفة )

وقد عرّف أخلاق الجاهل بقوله:

من أخلاق الجاهل:

الإجابة قبل أن يسمــــــع    والمعارضة قبل أن يفهم والحكم بما لا يعلم

وقال عليه السلام:

(إذا قام قائمنا استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله).

وقد انبرى الإمام الصادق(ع) في استكشاف كثيراً من الحقائق العلمية والمعارف ومنها :

1-    فرضية علمية هي : (أن الأرض ليست عنصراً بسيطاً).

2-    أن الهواء ليس عنصراً بسيطاً وأن فيه جزءاً يساعد على الاحتراق ويحدث الصدأ في المعادن الصلبة.

وبعد اثنتي عشر قرناً أثبتت هذه الحقائق بالتمحيص العلمي.

3-   وكان الإمام الصادق (ع) يقول: إن لله خلائق أخرى تعيش في الكواكب والسماوات الشاهقة وهي تسبح لله بلغة لا نعرفها ولعلها تكلمنا ولا نعرف لغتها..

وبذكر قوله عليه السلام :

(يا أبا حمزة هذه قبة أبينا آدم قد سواها  الله تسعة وثلاثين قبة فيها خلق ما عصوا الله طرفة عين )

وممكن مراجعة كتاب (الهيئة والإسلام) للسيد هبة الدين الحسيني المتخصص في هذا المجال.

وفي عام 1920 م أعلن العالم الايطالي (ماركوتي) الذي اهتم في اختراع اللاسلكي أعلن هذا العالم في لقاء له بضباط البحرية الايطالية أنه يتلقى من على باخرته اشارات ورموز يُشك في أنها مرسلة من كائنات ذكية فنانة تريد الاتصال بالكائنات على الكرة الأرضية.

4-    يقول الإمام الصادق (ع) : أن جسم الإنسان يتألف من نفس العناصر الموجودة في الأرض ولكن بنسبٍ متفاوتة ..

هذه النظريات التي استنبطها الإمام الصادق (ع)  هي في منظورنا بعلم الإمامة لا بعلم البشر أما علماء الغرب فيقولون أنه رجل ذكي سابق لزمانه ولكن .. هل إن الرجل الذكي يسبق زمانه أكثر من ألف عام؟؟

إن من العسير التوصل إلى مثل هذه الحقائق العلمية بدون مختبرات علمية عصرية … فالعباقرة أقدر من سواهم على استنباط ما تعجز عنه العقول لأن عيونهم تخترق الظلمات وترى ما لا يراه غيرهم من المبصرين … وثمة نظرية تقول :

إن المعارفَ والمعلومات كامنة في الشعور الباطني للناس جميعاً ولكن هناك حجاباً يحول دون إدراك الشعور الظاهري لما هو كامن في الشعور الباطني غير المحدود .. فإن استعصى على الإنسان العادي أن ينتفع بهذه الذخيرة المدخرة في باطنه فإن العباقرة قادرون على النفاذ إلى الباطن واستنباط ما هو مدخر فيه من معلومات ومعارف كامنه.

ويقول أحد فلاسفة القرن العشرين (هتري برجسون) 1941 م : بأن الذرة وجدت منذ بدأ الخليفة واجتمعت فيها جميع المعلومات المختلفة وإن خلايا الجسم الموجودة في الكائن الحي أحرى بأن تنطوي على جميع المعلومات الخاصة بهذا العالم منذ بداية الخليفة وإلى يومنا هذا.

وبهذا سبق أن قال الإمام علي (ع) :

(أتحسب أنك جرم ٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر)

أما ما قاله الإمام الصادق (ع) في علم التشريح فيكتب له بين المعاصرين من المشتغلين بعلم الأحياء بدرجة عظيمة.

وقد قال الإمام الصادق (ع) : وإن العناصر الموجودة في الأرض وعددها (102) مئة وإثنان موجودة في جسم الإنسان بدرجات متفاوتة … وربما يقال بأن الإمام الصادق لم يأت بإعجاز فكري في هذا الموضوع  لأن القرآن يقول: إن الإنسان خلق من تراب هذه الأرض

 بقوله تعالى:

(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) طه – 55

وقوله تعالى :

(والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا)  نوح – (17-18)

نعم ولكن نبوغ الإمام الصادق (ع) يتجلى في أنه قسّم هذه العناصر المكونة للجسم إلى ثلاثة أقسام أثبتها العلم في عصرنا هذا.

أربعة توجد في جسم الإنسان بوفرة هي :

(الأكسجين – الكربون – الهيدروجين – النتروجين )

وثمانية عناصر توجد في جسم الانسان بكمية ضئيلة هي:

(السيلينيوم- الفلور – الكوبلت – المنغنيز – اليود – النحاس – الرصاص -الخارصين)

أما العناصر الثمانية التي توجد في جسم الانسان بكمية أكبر هي :

(المغنسيوم – الصوديوم – البوتاسيوم – الكالسيوم – الفوسفور – الكلور – الكبريت – الحديد )

وقد تأكد أن تقسيم العناصر الموجودة في جسم الإنسان والنسب الخاصة بكل منها تتفق فيها  آراء الإمام الصادق (ع) مع التجارب التي أجريت في المراكز العلمية في دول العالم كله وعلى سبيل المثال والتوضيح نذكر أن الإنسان الذي يزن 45 مثلاً يحتوي جسمه على كيلوغرام واحد من الكربون وهو عنصر من العناصر الأربعة التي توجد في الجسم بوفرة.

كذلك يوجد في جسم الإنسان 5.4 كغم من الهيدروجين متى كان سليماً ومتى علَّ نقصت كمية الهيدروجين.

وتتساوى مقادير العناصر الأربعة وهي:

 الأكسجين – الكربون – الهيدروجين – النيتروجين في أجسام الناس جميعاً .. وتتساوى نسب العناصر الثمانية الضئيلة تلو المتوسطة في جسم الإنسان أينما كان ولا فرق بين اثنين في هذا إذا ما تساويا في الوزن والعمر.

وجاءت التجارب العلمية التي أجريت في فترة تربو على مائة وخمسين عاماً تؤكد النظرية التي أتى بها الإمام الصادق (ع) في هذا المجال.

وسنواصل في المحاضرة القادمة (إن شاء الله)

(نظرية الإمام الصادق في الضوء)

وهي من بدائع الإمام جعفر الصادق (ع) ..

وأخيراً .. قال تعالى :

(فاصفح الصفح جميل) وهو العفو من غير عتاب

فأرجو العفو منكم أخوتي وأخواتي الكرام … غفرانك اللهم ربي

والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إعداد الكاتب : إياد منصور

10-3-2011 م

الخميس