رواية / جلسة عائلية

رواية / جلسة عائلية

هي رواية تربط بين الجانب الاجتماعي والديني وتستعرض دروساً في الفكر والدين والأخلاق وتؤسس أو تؤكد على انتهاج الجلسة العائلية كمشروع مهم لإدارة حوارات تعليمية بدلاً من أن تخرج هذه الجلسات العائلية الرائعة إلى مدارات في الغيبة والكلام الفارغ … المهم أن نستقطب أبناءنا لمجالسنا ونزرع فيهم بذوراً نقية صالحة علّها تتفتح يوماً وتسفر عن أفنان تحمل أثماراً طيبة…

أبناؤنا هم استثمارنا الحقيقي في هذه الحياة ويجب أن نؤكد عليهم ولا نترك تربيتهم لغيرنا أبداً فهذه هي اليوم من أعقد المشكلات ما لم نتحمل مسؤولياتنا تجاههم …

ارتبطت هذه الرواية بواقع المجتمع العراقي وماضينا المرير … وللرواية هذه بعداً ثالثاً أرجو من القارىء الكريم أن يكتشفه بنفسه … واستميح لنفسي العذر منكم لمعارفي المتواضعة وحقل التعليق بانتظاركم.

بقلم الكاتب

إياد منصور حبيب

  

الجزء الأول

قال النبي صلى الله عليه وآله:

ما أوذي نبي مثلما أوذيــــت

لقد لاقى النبي (صلى الله عليه وآله) من الجهلة ما لاقاه ولكنه كان يقول :

اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون

وفي السيرة النبوية الشريفة وفي أثناء دعوته في الطائف رموه بالحجارة جتى أُدميت قدماه الشريفتان فوقع للأرض… روحي له الفداء ….وتحدث بهذا الدعاء العظيم الخالد:

اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين وأنت ربي .. إلى من تكلني .. إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدوٍ ملكته أمري .. إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي .. غير أن عافيتك هي أوسع علي ..

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة .. أن يحل علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك .. لك العتبى حتى ترضى .. ولا حول ولا قوة إلا بك.

وكذلك قال الحسين عليه السلام في يوم الطف وهو يقدم الشهداء من أهله وأصحابه الواحد تلو الآخر :

اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى .. لك العتبى حتى ترضى .

هذا هو الحسين من جده المصطفى وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال:

حسين مني وأنا من حسين

ببركة هذه النصوص العظيمة وبركة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله ندخل بيت الحاج أبو عبد الله تلبية لدعوته ونجلس وإياه وأولاده الثلاث ومجموعة من الأخوة المؤمنين في اليوم الأول من عيد الفطر المبارك.

الحاج أبو عبد الله رجل متعلم على سبيل النجاة متفقه في دينه كان سيداً في قومه محبوباً بين الناس … يعيش في بلاد المهجر منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً .. ترك البلد الذي فقد فيه فلذة كبده وولده البار الوحيد آنذاك .. فقده ميتاً ووجده ميتاً في قصة حينها كانت غامضة .. اضطرته لأن يترك بلده مخلفاً وراءه تاريخاً بأكمله وبساتين النخيل والليمون والبرتقال في سامراء التي كانت بحوزته إضافة إلى الأحبة والأصدقاء والأقارب .. ترك كل شي كان يرى فيه طفولة ابنه الوحيد الذي كان يحبه حد الجنون ابنه … يوسف… الذي التهمته الحرب العراقية الإيرانية.

الحاج أبو عبد الله الآن هو في بلاد الغربة معززاً مكرماً له ثلاثة أولاد هم :

عبد الله : ابنه الأكبر وله عشرون ربيعاً.

سمية: ولها سبعة عشر ربيعاً.

أحمد: وله أربعة عشر ربيعاً.

في جلسة عائلية كبيرة وفي مناسبة عيد الفطر المبارك تجمع بعض الأهل والأقارب وتشكل مجلساً عائلياً كبيراً … تحولت هذه الجلسة إلى محاورة دينية – ثقافية وأسئلة وأجوبة.

قال الحاج أبو عبد الله : سلوا أيها الشباب فإن العلم كنز ومفتاحه المسألة كما قال الإمام الصادق (عليه السلام).

قالت سمية: يا أبتي حدثنا عن الدعاء رضي الله عنك وأرضاك.

قال أحمد: يا أبتي سمعتك قبل أيام تقول : كان المسلمون يعرضون إسلامهم على بعضهم البعض … فكيف أعرض اسلامي ؟

فقال أبو عبد الله : قال الإمام علي (عليه السلام):

قيدوا العلم بالكتابة

فاذهبي يا سميتي وأيتيني بورقة وقلم واكتبي ما أقوله لكم … ولنبدأ بسؤالك يا سمية.

الدعاء

الدعاء يا ابنتي هو أصل العبادة إذ قال تعالى :

(( قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعائكم ))

وقال النبي (صلى الله عليه وآله) :

الدعاء مخ العبادة

لا بل إن ترك الدعاء معصية كما قال النبي (صلى الله عليه وآله):

ترك الدعاء معصية

حتى الصلاة بمفهومها اللغوي تعني الدعاء .

علمنا النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام كيف نتكلم مع الله سبحانه وتعالى في الأدعية المأثورة التي وصلت إلينا وهذه الأدعية تتضمن علوماً وفيها دراسات كثيرة من قبل علماء أكاديميين في هذا الموضوع.

فلو تناولنا دعاء عرفة وعظمة هذا الدعاء نجده مشحوناً بالمعارف … معارف في صيغة دعاء يطمئن القلب إليها … وليس من طريق أضمن من طريق أهل البيت عليهم السلام ففيه سعادة الدنيا والآخرة … وقد ورد قول الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

من أراد أن يعرف أنه من أهل الجنة فليعرض حبنا على قلبه

فمن واجبنا إذن أن نعرف ونُعرِّف الآخرين إذ قال الإمام الصادق عليه السلام :

فإنَّ الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا

وكذلك من الأدعية العظيمة :

دعاء أبو حمزة الثمالي .. دعاء كميل .. دعاء الجوشن الكبير ..دعاء الافتتاح ..دعاء الصباح .. ودعاء الندبة من الأدعية المهمة والمشحونة بالمعارف أيضاً.

أما الصحيفة السجادية وما أدراك ما هي للإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) والمناجاة الخمسة عشر وفيها من الرقة والبلاغة ما تبكي القلوب قبل العيون.

اسمعي يا ابنتي هذه المناجاة للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين :

ألا أيها المأمول في كل حاجــة شكوت إليك الضر فاسمع شكايتـــي

ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي فهب لي ذنوبي واقضِ حاجتـــــــي

فزادي قليل لا أراه مُبَلّغــــــــي على الزاد أبكي أم على بعد سفرتي

أتيت بأعمال قباحٍ رديئـــــــــةٍ فما في الورى عبد جنى كجنايتــي

أتحرقني بالنار يا غاية المنــى فأين رجائي منك وأين مخافتـــــي

وصدق من قال: سراج الدنيا وجمال الإسلام زين العابدين عليه السلام

عمر بن عبد العزيز

ولكن يبقى هناك فرق كبير بين الدعاء وقراءة الدعاء فالدعاء هو ليس لقلقة في اللسان فقط فعندما نتوجه بالدعاء لله سبحانه وتعالى يجب أن نكون على قدر من الروحانية والتركيز …

فالأدب والوفاء والحياء والحب يجب أن تكون مع الله سبحانه وتعالى … لأن الله يرانا في كل مكان … كامرات تصور في كل مكان … نقل مباشر وحيٌ في كل مكان … وحب الله ليس شيئاً نظرياً في المنطق الشعوري البارد فكلمة ألم مثلاً تختلف عن واقع الألم.

قال شعيب عليه السلام:

(إلهي أنت تعلم أني ما بكيت خوفاً من نارك ولا شوقاً إلى جنتك ولكن عقد حبك على قلبي).

أي ليس الحب المجازي العابر.

قال تعالى من سورة الأنفال – أية 2:

(( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون))

و(إنما) في اللغة تعني أداة حصر.

وقال تعالى :

(( قد أفلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون ))

وبهذه المناسبة دعوني أذكر لكم هذه القصة :

يذكر أن أحد الحجاج وهو في طريقه إلى بيت الله الحرام كان قد أنجاه الله تعالى من حادث كاد يودي بحياته وهو في الطريق … وقبل أن يدخل بيت الله الحرام رأى شخصاً يبيع البطيخ في الباب الخارجي فوقف يسأله عن السعر وينظر في البطيخ أيها أفضل وقال للبائع :

سأدخل الحرم وأصلي ركعتين وأعود إليك… دخل في الصلاة … أخذ يفكر في البطيخ … أيهما يشتري الغالي أم الرخيص … صغيرة أم كبيرة … ولم يشعر بنفسه إلا وقد أنهى التسليم وخرج من الصلاة … وهو في طريقه للخروج من المسجد الحرام سمع همساً في أذنه يقول له :

الله الذي أنجاك من موت محقق تقابله بصلاة البطيخ؟!

يقول ذلك الحاج : فارتعدت فرائصي وخجلت خجلاً عظيماً من الله سبحانه وتعالى.

كثير منا من مر بأمر عصيب توجه لله تعالى ورفع هذا الأمر له… أنا أو قريب لي سأخضع لعملية جراحية … ماذا تكون حالتي وكيف سيكون دعائي ؟!

شخص في الطائرة وحصلت مطبات جوية خطرة ولاحظ ارتباك طاقم الطائرة والتشديد على شد الأحزمة … ماذا ستكون حالته وكيف سيكون دعاءه؟!

ولذلك قال تعالى:

(( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء))

نلاحظ الإجابة مع الإضطرار لأن طبيعة الدعاء عندئذ تختلف … سيكون دعاءً صادقاً نابعاً من القلب والروح .

وقال تعالى:

(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ))

فالدعاء هو أحد هذه الوسائل التي نبتغي بها وجه الله تعالى وكذلك الصلاة والحج والصدقات والزيارات وكل شعيرة تقودنا إلى الله سبحانه وتعالى … كل منها نفحة من نفحات الله.

إن لله نفحات ألا فتعرضوا لها

والنفحة لغوياً تعني نسمة الهواء البارد المنعش التي نبحث عنها في الحر الشديد.

قال تعالى:

(( واسألوا الله من فضله))

وقال تعالى:

(( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ))

وقال تعالى :

(( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية )) الأعراف – الآية 55

((وقال ربكم ادعوني استجب لكم)) غافر- الآية 60

(( فادعوا الله مخلصين له الدين )) غافر – الآية 14

فالدعاء مدرسة فيه أخلاق وتهذيب … والدعاء فيه الاستغفار والتوبة والمناجاة والذكر والتسبيح والإستغاثة … وفيه من العلوم والمعارف كدعاء الحسين (ع) في يوم عرفة كما ذكرنا.

والله سبحانه وتعالى لا يشغله شيء عن شيء ونقول في دعائنا: يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها ونقول أيضاً : يا من يعطي من سأله يامن يعطي من لم يسأله.

قالت سمية: يا ابتي وهل تتأخر الإجابة فيما أسأل الله به.

– نعم يا بنيتي .. مرة تتأخر لوجود الذنوب .. ولذلك نقول في دعائنا : اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم .. اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم .. اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء.

ومرة تتأخر الإجابة لمصلحة ما في المستقبل نحن نجهلها ولذلك نقول في دعائنا:

فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك … لعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور.

وعلى أية حال يا بنيتي … باب الله مفتوح للسائلين.

ويذكر أن النبي (ص):افتقد رجل من الأنصار فسأله ما أطال غيابك عنا؟

قال : يا رسول الله الفقر والسقم.

فعلمه النبي (ص) دعاءً كشف عنه الضر.

قالت سمية :يا أبتي بعض الأحيان تقول في دعائنا يا حسين .. أو يا محمد أدركنا أو يا علي .. أدركنا .. فهل يدخل هذا في مفهوم الدعاء ؟

قال الحاج أبو عبد الله: نعم … فقد جاء في القرآن الكريم :

(( يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك))

فهم يعرفون ما عند موسى (ع) ولذلك طلبوا منه أن يدعوا الله لهم بما عهد الله عنده.

ونحن نعرف ما عند رسول الله (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين …

فالأهلية والقدرة بإذن الله تعالى هي شرط الدعاء وليس شرطاً أن يكون حياً أو ميتاً .

فنقول يا محمد أدركنا بما عهد الله عندك ..

ونقول يا علي أدركنا بما عهد الله عندك ..

ونقول يا حسين أدركنا بما عهد الله عندك ..

ومن يتصرف خلاف هذا الإعتقاد لا نحكم عليه بالشرك مع وجود القرينة التي هي (شهادة أن لا إله إلا الله) ترفع عنه الشرك ويقال عنه خاطىء وليس مشرك إذا اعتقد خلاف ذلك .. فالنبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ليس لهم وجود مستقل عن الله سبحانه وتعالى.

وقد جاء في القرآن الكريم من سورة يوسف :

((قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين))

وقال تعالى :

(( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ))

فالنبي (ص) ينفع حياً وميتاً ونحن نعتمد على قوله (ص).

(سلموا عليَّ فإنّ سلامكم يبلغني)

فكيف يبلغه السلام إذا كان منقطعاً عنا ولا ينفع ولا يضر؟!

وكيف نسلم عليه في الصلاة ونقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إذا كان لا يرد السلام ؟!

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في زيارة جده سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين (ع) قوله :

يا أبا عبد الله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حيٌّ عند ربك ترزق فسل ربك وربي في قضاء حوائجي.

وهذا من قوله تعالى :

(( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله))

فهم (أحياءٌ عند ربهم يرزقون) فكما أنهم يفرحون ويرزقون فهم يسمعون الكلام ويجيبون .

وجاء في الخطبة 86 من نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام إذ يعرّف فيها أهل البيت ويصفهم فيقول :

أيها الناس ! خذوها من خاتم النبيين : أنه يموت من مات منا وليس بميت ويُبلى من بَلي منا وليس ببالٍ.

هذا وسنكمل في الجزء الثاني في جلسة عائلية أخرى مع عائلة الحاج أبو عبد الله في أطروحات أخرى إن شاء الله تعالى … وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.