الإمام الحسن العسكري

posted in: سيرة | 0

الإمام الحسن العسكري (ع) في سطور نسبه الشريف

هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
و هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً.
و أُمه اُم ولد يقال لها: حديث، أو سليل، و كانت من العارفات الصالحات. و ذكر سبط بن الجوزي: أنّ اسمها سوسن.

محل الولادة و تاريخها
ولد الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (ع) ـ كما عليه أكثر المؤرخين ـ في شهر ربيع الآخر سنة (232هـ) من الهجرة النبويّة المشرفة في المدينة المنوّرة.

ألقابه (ع) و كُناه
اُطلق على الإمامين عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ (العسكريّان) لأنّ المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان ـ في سامراء ـ كانت تسمى عسكر.
و(العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن عليّ (عليه السلام).
وكان يكنّى بابن الرضا ، كأبيه وجدّه، و كنيته التي اختص بها هي: (أبو محمّد).

ملامحـه
وصف أحمد بن عبيدالله بن خاقان ملامح الإمام الحسن العسكري بقوله : إنّه أسمر أعين حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة وهيبة، وقيل: إنّه كان بين السمرة والبياض.

النشأة و ظروفها
نشأ الإمام أبو محمّد (ع) في بيت الهداية و مركز الإمامة الكُبرى، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس و طهّرهم تطهيراً.
وقد ظفر الإمام أبو محمّد بأسمى صور التربية الرفيعة و هو يترعرع في بيت زكّاه الله و أعلى ذكره و رفع شأنه حيث {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ …}، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الأرض و قدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة الله.
و قطع الإمام الزكي شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهادي (ع) يفارقه في حلّه و ترحاله، وكان يرى فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظم، كما كان يرى فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والإمامة، فكان يوليه أكبر اهتمامه ، ولقد أشاد الإمام الهادي (ع) بفضل ابنه الحسن العسكري قائلاً:
“أبو محمّد ابني أصحّ آل محمّد غريزةً و أوثقهم حجة. و هو الأكبر من ولدي و هو الخلف و إليه تنتهي عرى الإمامة و أحكامها”، والإمام الهادي (ع) بعيد عن المحاباة والإندفاع العاطفي مثله في ذلك آباؤه المعصومون.
وقد لازم الإمام أبو محمّد (ع) أباه طيلة عقدين من الزمن و هو يشاهد كل ما يجري عليه و على شيعته من صنوف الظلم والإعتداء، و انتقل الإمام العسكري (ع) مع والده إلى سرَّ من رأى (سامراء) حيث كتب المتوكل إليه في الشخوص من المدينة، و ذلك حينما وُ شي بالإمام الهادي (ع) عنده، حيث كتب إليه عبدالله بن محمّد بن داود الهاشمي: “يذكر أنّ قوماً يقولون إنّه الإمام ـ أي عليّ الهادي (ع) ـ فشخص عن المدينة و شخص يحيى بن هرثمة معه حتى صار إلى بغداد، فلمّا كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، و ركب إسحاق بن إبراهيم لتلقّيه، فرأى تشوّق الناس إليه و اجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، و دخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سُرَّ من رأى”.
وكان استشهاد والده (سنة 254هـ) و تقلّد الإمامة بعده، و كانت فترة إمامته أقصر فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار (ع) و هم أصح الناس أبداناً و سلامة نفسيّة و جسديّة، قد استشهد و هو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره الشريف، إذ كان استشهاده في سنة (260هـ) فتكون مدة إمامته (ع) ست سنين.
و هذه المدة القصيرة تعكس لنا مدى رعب حكّام الدولة العبّاسية منه و من دوره الفاعل في الأُمّة، لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق بدس السم له و هو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره الميمون.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن المنقول التاريخي عن الإمام العسكري (ع) في ظل حياة والده الإمام عليّ الهادي (ع) و مواقفهما لا يتعدى الولادة والوفاة والنسب الشريف و حوادث و مواقف يسيرة لا تتناسب و دور الإمام(ع) الذي كان يتمثل في حفظ الشريعة والعمل على إبعاد الأُمّة عن الانحراف و مواجهة التحديات التي كانت تواجهها من قبل أعداء الإسلام.
غير أنّ مجموعة من الروايات التي نقلها لنا بعض المحدثين تشير إلى اُمور مهمّة من حياة الإمام العسكري(ع)، وقد أشار الإمام العسكري نفسه إلى صعوبة ظرفه بقوله(ع): “ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما مُنيتُ به من شك هذه العصابة فيّ”.
و هذا شاهد آخر على حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بالإمامين العسكريين عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ(ص) والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود يسمح الظرف بها، أو تفرضها ضرورة بيان منزلته و إمامته و علو مكانته و إتمام الحجّة به على الخواص والثقات من أصحابه، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياته من طواغيت بني العباس.

انطباعات عن شخصية الإمام الحسن العسكري(ع)
احتلّ أهل البيت (ع) المنزلة الرفيعة في قلوب المسلمين، لما تحلّوا به من درجات عالية من العلم والفضل والتقوى والعبادة، فضلاً عن النصوص الكثيرة الواردة عن الرسول(ص) في الحث على التمسّك بهم والأخذ عنهم.
والقرآن الكريم ـ كما نعلم ـ قد جعل مودّة أهل البيت و موالاتهم أجراً للرسول(ص) على رسالته كما قال تعالى: {قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
غير أنّ الحكّام والخلفاء الذين تحكّموا في رقاب الأُمّة بالسيف والقهر حاولوا طمس معالمهم و إبعاد الأُمّة عنهم بمختلف الوسائل والطرق، ثم ختموا أعمالهم بقتلهم بالسيف أو بدس السمّ.
و مع كل ما فعله الحكّام المنحرفون عن خطّ الرسول(ص) بأهل البيت (ع) لم يمنعهم ذلك السلوك العدائي من النصح والإرشاد للحكّام و حل الكثير من المعضلات التي واجهتها الدولة الإسلامية على امتداد تأريخها بعد وفاة الرسول(ص) حتى عصر الإمام الحسن العسكري(ع).
وقد حُجب عنّا الكثير من مواقفهم و سِيَرهم ، إما خشية من السلطان، أو لأنّ من كتب تاريخنا الإسلامي إنّما كتبه بذهنية اُموية و مداد عبّاسي; لأنه قد عاش على فتات موائد الحكام المستبدّين.
و نورد هنا جملة من أقوال و شهادات معاصري الإمام(ع) و انطباعاتهم عن شخصيّته النموذجيّة التي فاقت شخصيّة جميع من عاصره من رجال و علماء الأُمّة الإسلامية.

1 ـ شهادة المعتمد العبّاسي
كانت منزلة الإمام معروفة و مشهورة لدى الخاصة والعامة، كما كانت معلومة لدى خلفاء عصره.
فقد روي أنّ جعفر بن عليّ الهادي(ع) طلب من المعتمد أن ينصّبه للإمامة و يعطيه مقام أخيه الإمام الحسن(ع) بعده، فقال له المعتمد: “إعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا، إنّما كانت بالله عزّ وجل، و نحن كنا نجتهد في حطِ منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلاّ أن يزيده كل يوم رفعة بما كان فيه من الصيانة و حسن السمت والعلم والعبادة، فإنْ كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، و إن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك ، لم نغنِ عنك في ذلك شيئاً”.

2 ـ شهادة طبيب البلاط العبّاسي
كان بختيشوع ألمع شخصية طبية في عصر الإمام الحسن العسكري(ع)، فهو طبيب الأُسرة الحاكمة، وقد احتاج الإمام ذات يوم الى طبيب فطلب من بختيشوع أن يرسل إليه بعض تلامذته ليقوم بذلك، فاستدعى أحد تلاميذه و أوصاه أن يعالج الإمام(ع) وحدّثه عن سموّ منزلته و مكانته العالية، ثم قال له: «طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه، و هو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء ، فاحذر أن تعترض عليه في ما يأمرك به”.

3 ـ أحمد بن عبيدالله بن خاقان
كان عامل الخراج والضياع في كورة قم، و أبوه عبيدالله بن خاقان أحد أبرز شخصيات البلاط السياسية وكان وزيراً للمعتمد، وكان أحمد بن عبيدالله أنصب خلق الله و أشدهم عداوة لأهل البيت (ع).
و ينقل أحمد هذا قصة شهدها في مجلس أبيه إذ دخل عليه حُجّابه فقالوا له: أبو محمّد ابن الرضا ـ أي الإمام العسكري(ع) ـ بالباب فقال بصوت عال: إئذنوا له، فقال أحمد: فتعجبت ممّا سمعت منهم، إنّهم جسروا يكنّون رجلاً على أبي بحضرته، ولم يكنَّ عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى، فدخل رجل أسمر حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة، فلمّا نظر إليه أبي قام فمشى إليه خُطى ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقوّاد، فلمّا دخل عانقه وقبل وجهه و صدره و أخذ بيده و أجلسه على مصلاه.
و تبيّن الرواية أنّ أحمد بقي متعجباً متحيراً حتى كان الليل، فلمّا صلّى أبوه و جلس، جاء و جلس بين يديه، فقال: ياأحمد لك حاجة ؟ قلت: نعم يا أبه، فإن أذنت لي سألتك عنها، فقال: قد أذنت لك يابني فقل ما أحببت.
قلت: يا أبه مَن الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل، وفديته بنفسك و أبويك؟
فقال: يابني ذاك إمام الرافضة، ذاك الحسن بن عليّ المعروف بابن الرضا، فسكت ساعة ثمّ قال: يابني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، و إنّ هذا ليستحقّها في فضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً.

4 ـ راهب دير العاقول
وكان من كبراء رجال النصرانية و أعلمهم بها، لمّا سمع بكرامات الإمام(ع) و رأى ما رآه ، أسلم على يديه و خلع لباس النصرانية ولبس ثياباً بيضاء.
ولما سأله الطبيب بختيشوع عما أزاله عن دينه، قال: وجدت المسيح و أسلمت على يده ـ يعني بذلك الإمام الحسن العسكري(ع) ـ قال : وجدت المسيح؟! قال: أو نظيره… و هذا نظيره في آياته و براهينه، ثم انصرف إلى الإمام ولزم خدمته إلى أن مات.

5 ـ محمّد بن طلحة الشافعي
قال عن الإمام الحسن العسكري(ع):
“فأعلم المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصه الله عزّ وجلّ بها وقلّده فريدها و منحه تقليدها و جعلها صفة دائمة لا يُبلي الدهر جديدها ولا تنسى الألسن تلاوتها و ترديدها، أنّ المهدي محمّد نسله، المخلوق منه ، و ولده المنتسب إليه، و بضعته المنفصلة عنه”.

6 ـ ابن الصباغ المالكي
قال: إنّه “سيّد أهل عصره و إمام أهل دهره، أقواله سديدة و أفعاله حميدة، و إذا كانت أفاضل زمانه قصيدة فهو في بيت القصيدة، و إن انتظموا عقداً كان مكانه الواسطة الفريدة، فارس العلوم الذي لا يجارى و مبين غوامضها، فلا يحاول ولا يمارى، كاشف الحقائق بنظره الصائب مظهر الدقائق بفكره الثاقب المحدث في سره بالأُمور الخفيات الكريم الأصل والنفس والذات تغمده الله برحمته و أسكنه فسيح جنانه ، بمحمد(ص)آمين”.

7 ـ العلّامة الشبراوي الشافعي
قال عنه : “الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص و يلقب أيضاً بالعسكري… و يكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر (عج) من أولاده، فللّه در هذا البيت الشريف والنسب الخضم المنيف و ناهيك به من فخار و حسبك فيه من علو مقدار… فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماك (السماء ـ خل) علاً و نبلاً، و سما على الفرقدين منزلة و محلاً و استغرق صفات الكمال، فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة، انتظام اللآلي و تناسقوا في الشرف فاستوى الأوّل والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه…”.
الى أقوال كثيرة غيرها في فضله صرح بها الفقهاء والمؤرخون والمحدثون من العامة والخاصة ، ولا عجب في ذلك ولا غرابة فهو فرع الرسول(ص) و أبو الإمام المنتظر والحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع)، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً و هم عدل القرآن كما ورد عن الرسول(ص) و هم سفينة النجاة، وقد شهد له أبوه الإمام الهادي(ع) بسموّ مقامه و رفعة منزلته بقوله الخالد: “أبو محمّد ابني أنصح آل محمّد غريزة و أوثقهم حجّة و هو الأكبر من ولدي و هو الخلف و إليه تنتهي عُرى الإمامة و أحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يُحتاج إليه”.

http://www.sibtayn.com/