كان المعروف عن الاعلام انه السلطة الرابعة ولكنه تحول في العقد المنصرم من السلطة الرابعة الى السلطة الأولى وسخر الاعلام لكل شيء تناله اهداف واهتمامات السلطة الخفية وسخر حتى لقرارات الحرب والسلم ونوايا السياسة ومشروع الفوضى الخلاقة, فقرار السلم والحرب يحدده الاعلام فهو يقرب الحرب ويبعد السلم او يقرب السلم ويبعد الحرب وكثير من الاعلام اساء حتى للاسرة والمجتمع وسعى الى التعبئة الطائفية والتناحر, والعالم الإسلامي بدى للأسف, ليس له ستراتيجية إعلامية بل إعلام معوق للأسف الشديد لا يستطيع ان يواجه هذه التحديات العظيمة
كل شيء اليوم يتأثر بالإعلام. ومن الإعلام من يزيد الطين بله ويعمل بالتدليس والإفك والبهتان والإشاعات والإثارة. وهذه طامة كبرى، فينقل الغث والسمين كما قلنا والمشكلة الأكبر إنه ليس كل الناس على مستوى من المعرفة والقدرة على التمييز والتحليل والفرز فالناس كما قال امير المؤمنين عليه
السلام أصناف ثلاث:
اما عالم رباني او متعلم على سبيل نجاة او همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا الى ركن وثيق.
مصيبتنا في الصنف الثالث من هؤلاء الناس الذين يستهدفهم الاعلام بالتحديد، وهم مجاميع المصفقين السلبيين الأكثرية الصامتة التي تنتظر من يحمل الراية حقا او باطلا فيسيرون وراءه، أولئك يقول عنهم امير المؤمنين عليه السلام
لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا الى ركن وثيق
والواقع ان كثير من الجماهير ليست كتلة نوعية واحدة وليست بالمستوى الراقي من العلم والدراية والايمان والرؤيا الواضحة وان كثير من تلك الجماهير من طراز الهمج الرعاع لا تشكل جوهر المجتمع وقيمته الحقيقية وهي رهينة مصالحها وافكارها الذاتية وأولئك الهمج الرعاع أعداء كل تقدم وتطور واستقرار بل ويعاكسون إرادة الحق ومسار العلم واتجاه العدل ويعطون الشرعية للظالمين بالتهريج بل ويصنعون الطغاة ولا مانع لديهم من استبدال سلطان باٌخر، فهم مع الأقوى والمنتصر وهذه المجاميع من الجماهير موجودة في كل مكان وعلى مدى التاريخ, فالقوم أبناء القوم, وقد شخص علي عليه السلام تشخيصا فذاَ تلك المجاميع من الجماهير وكان في رئتيه منبئاَ بما سيحمله الشرق من كوارث سياسية سببها الصرعات الدامية حول السلطة ودور الهمج الرعاع في تأجيجها ودفعها الى الذروة هؤلاء هم الذين يبحث عنهم اعلام الفوضى الخلاقة والاعلام المجند ويبث لهم ويعتبرهم الارض التي يعمل فيها اينما كانوا
الانفلات الإعلامي
ان الانفلات الإعلامي اليوم سبب كثيرا من المشاكل واراقة الدماء على مدار الساعة في مجتمعنا وبلداننا العربية والاسلامية، فكثير من القنوات الفضائية باعت نفسها لتكن أداة او الة في ماكنة تخريب المجتمعات العربية والإسلامية فكان دور الاعلام في هذه القنوات غير مهنيا بل سلبيا في المجتمع الإسلامي والدفاع عن الإسلام والمسلمين واحترام وحدتهم التاريخية.
وكثير من أصحاب الأموال ذات محتوى فارغ فعندما ينشؤون مؤسسات تكون فارغة مثلهم وهكذا تأسس الاعلام المذهبي في مؤسسات إعلامية وفضائية للأسف وتعود لهؤلاء وقد لوحظ أيام غزو أمريكا للعراق قنوات دينية تتحدث عن حكم العطسة في الإسلام واحكام الطهارة والنفاس وبلدان المسلمين تتمزق، فأصبح الإسلام بهذا المستوى من التسطيح بوجود هؤلاء وأصبح والإسلام من هنا وهناك يحكمه المذهب وليس والمذهب يحكمه الإسلام.
الاعلام والتطرف
لقد تسرب التطرف والإرهاب والأفكار السيئة الى كثير من الشباب لاسيما المراهقين منهم عبر وسائل الاعلام المتطرفة، وساقت بهم الى التطرف والإرهاب تحت عنوان الدين الذي يدعوا في أصله الى الحوار والمحبة والاخوة والعدل والمساواة
وأصبحت كثير من القنوات الفضائية اليوم مثل النفاثات في العقد التي ذكر الله شرها في القران الكريم وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ حيث تبث السموم في عقد المكاره
بل وحملت كثير من القنوات الفضائية الإعلامية العقد التاريخية في أيديولوجيتها واصابتنا بمرض الاعلام الديني السيئ والفتاوى الضالة والمضلة والتكفير وثقافة الحور العين، وأصبح الواعز الديني والوعي الاجتماعي مفقودا بالمرة بسبب فقدان الحكمة والقدرة على الفرز والتحليل، فتحولت الفضائيات والإعلامية الى منصات إعلامية لتضليل الرأي العام الجاهل والى ساحات حرب بين الشيعة والسنة والصوفية والسلفية من أبناء الامة الواحدة واساءت الى السلم الاجتماعي حتى سالت الدموع والدماء واصبح الناس يتدينون بالمذهب اكثر مما يتدينون بالإسلام بتأثير هذا الاعلام السيئ ونجت في صناعة حرب اشغال المسلمين بعضهم ببعض لتمرير مشروع سياسي كبير ينفذ بدقة ودهاء كبير مقابل غباء المسلمين الكبير حتى اصبح الاعلام الديني السيئ فاقدا للأخلاق و كيدي ويسترخص الدماء ولا يخاف الله وقائم على البتر ودولار
وتبنت هذه الفتوات نقل التزمت الديني والقومي في الأحزاب والمجتمع العراقي من حيز الثقافة الى رحاب السياسة وهي وان لم تنجح في اشعال حرب أهلية بالمعنى الواسع ولكنها نجحت فيما هو أسوأ من ذلك حيث نجحت بنسف قدرة الدولة العراقية على توحيد المجتمع العراقي حولها بأجندات مغرضة ضد العراق تشجع وتدعم وتعمل ليلا ونهارا
والعراقيون بوعي او بدون وعي يحاولون حتى الان تجنب تجرع كأس الحرب الاهلية، لكن الحظر ما يزال قائما بسبب قوة الشر الخارجي والقوى الخفية والمصالح القومية والإقليمية، مع ان الأمور قد تراكمت وتفاقمت الى مستوى الحرب نفسها
ويستطيع الباحث الإعلامي المتخصص ان يرى ما مدى تأثير وسائل الاعلام السلبية والقائمة على البترودولار في تعزيز الخلاف وهدم القيم وزرع الغل والضغينة في قلوب الناس لا سيما الجهلة والخونة والمنافقين والمارقين منهم، والامر من هذا عندما تتحدث هذه الوسائل باسم طائفة معينة او مذهب او قومية محترمة، فتعود الإساءة على الجميع ويتنامى الغل وتربو الفتنة في الشارع والسوق ومراكز العبادة وحتى بين الأصدقاء والاخوة من افراد العائلة والواحدة
واذا رجعنا الى القران الكريم لنتشرف بقوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
قال تعالى فتبينوا !! هل تتبين وسائل الاعلام اليوم من نقل الخبر؟
ومن مراقبتنا لوسائل الاعلام رأينا ان كثيرا منها لا تنقل الحدث كما هو بل توجه الحدث وفق أجندتها الخاصة التي تستهدف الفئة الثالثة من الناس الذين هم
لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا الى ركن وثيق
كما قال امير المؤمنين عليه السلام
والان نرجع الى القران الكريم لنرى ماذا جرى بين الهدهد الذي بدى كعالم فقيه ورشيد وداعيا الى الله, بل مراسلا إعلاميا صادقا, نرى ماذا جرى بينه وبين سليمان عليه السلام, النبي الملك العظيم. كما أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ 22
إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ23
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ24
ولما انتهى الهدهد من قوله قال سلميان عليه السلام كما جاء في قوله تعالى
قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ 27
اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ 28
فتحولت الامة كلها من الضلالة الى الهدى بواسطة وبفعل ذلك الهدهد المراسل الإعلامي الصادق، ولم يتخذ سليمان قرارا فوريا بل قال: –
سننظر اصدقت ام كنت من الكاذبين
فمن واجب المسؤول ان يتحقق ويتبين قبل ان يقرر
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
عندما يقول القران الكريم معيارنا ودستورنا ومرجعنا في الحياة. تتغير حياتنا ولكن الرسول صل الله عليه واله وسلم يشكي هذه الامة الى الله بقوله تعالى:
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا