نظرية الضوءعند الإمام الصادق ع
(المحاضرة الثانية)
إعداد : إياد منصور حبيب
24-03-2011 م
أعوذ بالله السميع العليم .. من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
يا من عفا عن عظيم الذنوب بِحلمه .. يا من اسبغ النَّعماء بفضله .. يا من أعطى الجزيل بكرمه.. يا عُدتي في شدّتي .. يا صاحبي في وحدتي .. يا غياثي في كربتي .. يا وليّ في نعمتي..
أشكو إليك غربتي وبعد داري وهواني على من ملكته أمري .. إلهي .. فلا تحلل عليّ غَضبك.. فإن لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي .. سبحانك غير أن عافيتك أوسع لي .. فأسألك يا ربي بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات .. وكُشفت به الظلمات وصلح به أمر الأولين والآخرين .. أن لا تميتني على غضبك ولا تنزل بي سَخطك.. لك العتبى .. لك العتبى.. حتى ترضى.
قال تعالى: (( وجعلناهم أئمةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)) من سورة الأنبياء 73
أخوتي الأعزاء ..
نواصل ما انتهينا إليه في محاضرتنا السابقة التي وسمت بعنوان (الإمام الصادق كم عرفه علماء الغرب) واليوم نتطرق فيما نتطرق إليه (نظرية الضوء عند الإمام الصادق (ع).
من روائع الإمام جعفر الصادق (ع) نظريته الخاصة بالضوء.
فمن رأيه أن الضوء ينعكس من الأجسام على صفحة العين البشرية .. أما الأجسام البعيدة فلا ينعكس منها إلا جزء صغير من الضوء.. ولهذا تتعذر رؤيتها بالوضوح الكافي.
ولو استعنّا بآلة لتقريب الضوء إلى العين .. فعندئذ يمكننا مشاهدة الجسم البعيد بنفس حجمه الحقيقي وبوضوح تام .. فالجسم الذي يبعد عنا ثلاثة آلاف متر مثلاً.. نراه وكأنه يبعد عنا ستين متراً إذا قربناه خمسين مرة.
ونتيجة للاتصال الذي تحقق بين أوروبا والشرق في أثناء الحروب الصليبية انتقلت هذه النظرية من الشرق إلى اوروبا ودُرّست في المعاهد العلمية والجامعات الأوروبية…
وكان للمجهر الفلكي الذي صنعه غاليلو صدى بعيد في الأوساط العلمية المختلفة في البندقية إذ أصبح بواسطته التطلع إلى السماء في الليل ورؤية النجوم والكواكب سنة 1610 م .. ولما سُئِل غاليلو عن سر رؤية سطح القمر وما عليه بوضوح ردد نظرية الإمام الصادق (ع) وهي أن : هذا نتيجةً لانعكاس الضوء من سطح القمر ويقربها إلى العين وقال إن هذا المرقب أو المرصد يجمع أشعة الضوء المنعكسة من سطح القمر ويقربها إلى العين فتراه قريباً منها.
النظرية الفلكية التي كان يتبينها الفيلسوف الاغريقي (أرسطو) المعلم الأول (367-322 ق.م) حكيم اليونان وأكدها بعده بطليموس الذي جاء بعده بخمسة قرون مفادها أن: الأرض ثابتة لا تتحرك وأن الشمس والنجوم تدور من حولها ..
ومن المؤسف أن هذه النظرية عطلت تطور العلوم الفلكية طوال ثمانية عشر قرناً .. ولم يجرؤ أحد على معارضة رأي أستاذ يعد في عصره أستاذ الأساتذة .. بل أصبحت هذه النظرية عقيدة دينية لا يمكن مخالفتها ..
وبدأ عصر النهضة بالنظرية التي طلع بها العالم البولوتي (كوبرنيكوس) مفادها أن:
الأرض تدور حول الشمس وأيده العالم الألماني (كيلر) الذي أماط اللثام عن قوانين حركة السيارات حول الشمس ومنها الأرض ثم جاء غاليلو من بعدهما فبث روحاً جديدة في هذه الحركة العلمية وأعطاها دفعة قوية بإثباته حركة السيارات حول الشمس بالعين.
هؤلاء العلماء العظماء الثلاث انتهوا إلى ما جاء به الإمام الصادق (ع) في نظرية الضوء التي فتحت الطريق أمام الباحثين وقادتهم إلى صنع المنظار الفلكي ورصد الأجرام السماوية وانطلاق عصر النهضة والتجديد.
نيوتن اكتشف قانون الجاذبية عندما سقطت تفاحة من شجرة على رأسه .. فقال:
كل جسم في الكون يؤثر بقوة جذب على جسم آخر ومقدار هذه القوة يتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.
ق.ج = ك1 × ك2 / ف2
ك 1: كتلة الجسم الأول
ك2: كتلة الجسم الثاني
ف2: مربع المسافة بين مركزي الجسمين
ولكن هل يعاب عليه أنه عجز عن إطلاق قمر صناعي على الفضاء وأن كشفه العلمي بلا قيمة .. كلا .
فلقد بات معروفاً للناس جميعاً أن الأقمار الصناعية التي تطوف حول الأرض والتي أطلقت صوب القمر والمريخ في المدارين الأول والثاني تخضع جميعاً لقانون الجاذبية الذي كشفه نيوتن .. فإن كان فإن كان نيوتن نفسه لم يوفق إلى الاستفادة من كشفه العلمي بالكيفية التي تأتت في عصرنا هذا أو جاءت في عصرنا هذا فذلك لا يقلل أهمية قانون الجاذبية ولا من فضل نيوتن في تحقيق هذا الكشف العلمي ..ولن يجرؤ أحد فيقول:
(إنّ عجز نيوتن عن إطلاق قمر صناعي على الفضاء دليل على أنّ كشفه العلمي كان بلا قيمة)
وكذلك الحال في شأن الإمام الصادق (ع).
وهناك نقطة بالغة الأهمية في نظرية الإمام الصادق (ع) بشأن الضوء هي تأكيده بأن الضوء ينعكس من الأجسام إلى العين .. وهو قول يناقض التفكير الذي كان سائداً في ذلك العصر وكان مؤدّاه أن الضوء ينعكس من العين على الأجسام المرئية .. والإمام الصادق (ع) هو أول عالم في تاريخ الإسلام كله يناقض هذا الرأي السائد فقد قال:
إن الضوء لا ينعكس من العين على الأجسام بل الذي يحدث فعلاً هو نقيض ذلك أي إن الضوء ينعكس من الأجسام ويصل إلى العين .. دليل ذلك إننا لا نرى في الظلام شيئاً ولو أن العين كانت تعكس الضوء على الأجسام لشاهدنا الأجسام ليلاً ونهاراً.
وللإمام الصادق (ع) نظرية أخرى عن الضوء وحركته وسرعته لا تقل أهمية عن نظريته الخاصة بالضوء وإنعكاساته …
فمما قاله (ع) : إن الضوء ينعكس من الأجسام على العين بسرعة (كلمح البصر) أي أن الإمام الصادق (ع) عرف أن للضوء حركة (كلمح البصر) ولو أسعفته الوسائل التقنية الحديثة لاستطاع أن يقيس هذه السرعة بدقة شديدة.
فهو إذن اكتشف (نظرية الضوء) وقال إن للضوء حركة وإن هذه الحركة
سريعة جداً أفلا يدل هذا كله على أنه كان سابقاً على عصور علمية كثيرة؟!
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله في بعض دروسه :
(إن الضوء القوي الساطع يستطيع تحريك الاجسام الثقيلة وإن النور الذي ظهر لموسى(ع) على جبل الطور لو كانت مشيئة الله لحرك الجبل ).
تسمى هذه النظرية اليوم بـ(نظرية الانتقال الضوئي) أي استخدام الطاقة الضوئية بالحركة وهي لازالت محض الدراسة وهذا المبدأ يتعلق بالطاقة الكامنة في الضوء…
ولو تركنا هذا الموضوع جانباً فإن الذي قاله الإمام الصادق (ع) عن الضوء وحركته يتفق تماماً مع ما أثبته البحث العلمي المعاصر .. وغاية ما في الأمر أن العلم الحديث قاس سرعة الضوء وهي (300000 كم/ثا).
والآن ننتقل معاً إلى نظرية أخرى تعد من عجائب العلوم التي أجاد بها إمامنا الصادق (ع) والتي كشفت عن إمامته ونبوغه العلمي وإحاطته الواسعة بدقائق العلوم نظريته المتعلقة بـ(انتقال بعض الأمراض عن طريق الضوء من المريض إلى السليم).
فحوى هذه النظرية أن هناك أمراضاً ينبعث منها ضوء فإذا أصاب الضوء أحداً إنتابته العلة وهي نظرية لم يقل بها أحد في أي مرحلة من مراحل تاريخ الطب الطويل.
ولذلك ظلت هذه النظرية غير قابلة للتصديق في رأي العلماء والباحثين … إلى أن جاءت التجارب العلمية المعاصرة معززة لها ومثبتة لصدق أراء الإمام سلام الله عليه.
ففي مركز البحوث العلمية في العلوم الكيميائية والطبية في مقاطعة سيبريا الروسية .. استطاع هذا المركز أن يثبت للمرة الأولى بأن هناك من الأمراض ما يشع ضوءاً وأن هذا الضوء قادر في حد ذاته على إصابة الخلايا السليمة وإيقاع المرض فيها.
وقد اختار العلماء مجموعتين من الخلايا كخلايا القلب والكلى وراعوا أن تكونا من نفس العضو وتبينوا أن الفوتون يشع من الخلية المريضة …
ثم انتقلوا إلى مرحلة ثانية من التجارب فوضعوا الخلايا السليمة في حافظتين إحداهما من الكوارتز .. والأخرى من الزجاج العادي.
الكوارتز : تخترقه الأشعة فوق البنفسجية فقط.
الزجاج العادي : لا تخترقه الأشعة فوق البنفسجية.
وقد تبين للعلماء بعد انقضاء ساعات على الخلايا السليمة الموجودة في الحافظتين أمام الخلايا المريضة أن الخلايا السليمة الموجودة في حافظة الكوارتز (المستقبلة للأشعة فوق البنفسجية) أصيب بالمرض أما الخلايا السليمة التي كانت في الحافظة الزجاجية (غير مستقبلة للأشعة فوق البنفسجية ) قد بقيت سليمة.
وقد تحقق من هذه التجربة أن الخلية المريضة التي تصدر منها أشعة فوق البنفسجية قادرة على نقل المرض إلى الخلايا السليمة من خلال هذه الأشعة.
وقد أعيدت هذه التجربة على أمراض مختلفة وبلغت عدد التجارب التي أجريت خمسة آلاف تجربة على مدى خمس وعشرين سنة للتوصل إلى رأي علمي ثابت بالبرهان العلمي المتكرر وثبت للباحثين أخيراً أن:
(سبب انتقال العدوى هو الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الخلية المريضة).
وإذا منعنا هذه الأشعة من الوصول من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة نكون قد منعنا المرض من الانتقال من هذه إلى تلك.
ومن خواص المضادات الحيوية أنها تقلل من هذه الاشعة فتشل قدرتها على نقل العدوى من الخلايا المريضة إلى الخلايا السليمة.
سقنا هذا العرض لندلل على أن العلم الحديث قد جاء مؤكداً للنظرية التي دعا إليها الإمام الصادق (ع) في منتصف القرن الثاني للهجرة وخلاصتها : أن الضوء المنبعث من مرض ما يتسبب في إصابة الغير بالمرض وأثبت العلم الحديث في المختبرات العلمية أن الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الخلايا المريضة تتسبب في نقل الأمراض إلى الخلايا السليمة.
وصفوة القول: إن التجارب العلمية قد جاءت مؤكدة لنظرية الإمام الصادق (ع) بعد أكثر من 1250 سنة هجرية.
قلنا فيما مضى أن العلوم والمعارف في مدرسة الإمام الصادق (ع) قد أرست قواعدها على أربع دعائم هي : التفقه في الدين , الأدب , العلم , العرفان وأكدت على : حرية الفكر , وعدم المغالاة في العقيدة وعدم الخلاف وعدم العزلة.
وكان من أهم خصائص هذه المدرسة والتي ساعدت على انتشارها وذيوع علومها تأكيدها على الابتعاد عن كل تزمت وتعصب وضيق صدر .. ذلك أن الإمام الصادق (ع) لم يعط أتباعه ذريعة واحدة لتكفير من يخالفونهم في الرأي أو اعتبارهم منشقين أو مارقين ولو حدث هذا لقضي بلا ريب على كيان الشيعة الفكري والثقافي.
فحرية البحث والكتابة كانت منهاجاً مرعياً لاتباع الإمام الصادق (ع) ولم يتعرض أحد لإيذاءٍ أو عقوبة لانه أبدى رأياً خالف به أياً من الآراء والنظريات التي كانت سائدة في هذه المدرسة سواء أكانت دينية أم علمية أم فلسفية.
لقد كان تلامذة الإمام الصادق (ع) يطرحون عليه الأسئلة وينتقدون هذا الرأي أو ذاك ويعارضون ما يساق في المدرسة من حجج وكان يتقبل منهم برحابة صدر وبشاشة وجه وفي كتب السيرة والحديث سجل واف لما جرى بين الإمام الصادق (ع) وناقديه ومعارضيه من محاجات ومناقشات ومحاضرات … وكان عليه السلام يرى :
أن المجتمع الذي يتحلى أفراده بالعلم والأدب والذي يبرأ من الظلم والعدوان على حقوق الغير … هو المجتمع الذي تنتظم فيع العلاقات بين أفراده وتطرد أمورهم في سهولة ويسر …
فالرصيد الذي خلفه الإمام الصادق (ع) من المعارف والعلوم كان حيوياً واستمر إلى هذا اليوم رغم المناوئين والمعارضين .. هذا هو الإمام جعفر بن محمد الصادق العالم … كان يؤمن بما يقول .. ويأخذ بالواقع لا بالمثاليات وكانت آرائه تتفق مع واقع الحياة في المجتمع البشري.
أخوتي الأعزاء ..
نحن فهمنا الإمامة على أنها للشفاعة فقط .. والغرب فهم الإمامة على أنها العلم .. فالإمام لكي يكون إماماً لا بد له أن يكون عالماً وعلمه لابد أن يكون متميزاً … فهم أخذوا البعد العلمي والمعرفي من الإمامة أي بالعلم ونحن عبرنا عن إيماننا بالإمامة بطرق شتى …
نحتفل بولادة الإمام ونحزن لاستشهاده ونترك ما بينهما أو ما بين الولادة والاستشهاد من الفضل العظيم.
أئمتنا هم أقطاب العلم وسادة المعرفة .. لا يمكن أن نكرسهم في قصيدة منظومة أو منثورة فقط .. فيما إذا ارتقت هذه القصيدة إلى مقامهم .. ونفرح ونحزن وانتهى الأمر كله ..بل نتقصى منظومتهم العلمية والأخلاقية ونقتدي بهم ونعيش مع أئمتنا كما ينبغي ونجتهد بمعرفتهم.
فيكون هذا هو المعنى الحقيقي لإحياء أمرهم والعرفان بحقهم … وعندما نَدْرس ونُدَرِّس علومهم في مدارسنا نكون قد سلكنا الطريق الصحيح وأسسنا جيلاً رسالياً يفهم الدين كمنظومة عملية لحياته.
وصدق تعالى حيث قال:
(قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى )
وقال تعالى :
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاةوإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم :
(حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة:
عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ،وعند الميزان ، وعند السراط).
فالصلاة والسلام عليك يا رسول الله وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..